الثلاثاء، 14 مايو 2024

النقد في العصر الجاهلي

 النقد في العصر الجاهلي 

المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي، وهو تمييز الجيد في الكلام من رديئه، وسار في ثلاثة اتجاهات؛ منها: النقد اللغوي، ونقد المعنى والأسلوب، والنقد العروضي.

 

النقد اللغوي:

وجد العربي الفطرة السليمة، وأحاط بها إحاطة تامة في أسرار اللغة العربية، ولهذا أدرك الدلالة الوضعية لكلماتها، فإذا خرج الشاعر عن تلك الدلالة، واستخدم كلمة في غير ما وضعت له دون الإشارة إلى العلاقة بين الأصلى والمعنى الجديد للكلمة، وحاول إلى إصلاح هذه الكلمة كما فعل طرفة بن العبد مع الشاعر المسيب بن علس أو المتلمس، وذلك حينما وصف الجمل بـ ((الصيعرية)) التي هي من سمات الناقة فقط، فحاول طرفة بن العبد أن يعيد ذلك الشاعر إلى الصواب، فقال: ((استنوق الجمل))، بعد أن علم الخطأ بفطرته اللغوية السليمة بأن تلك الصفة وضعت للناقة لا للجمل[2].

 

واستعمل الأعشى كلمة ((الطحال)) في مقام المحبة والعشق، فأخذ عليه النقاد؛ لأن الشعراء لم يستعملوا هذه الكلمة في هذا المعنى، ولكن استعملوا على مكانها القلب والفؤاد والكبد، ولهذا عاب النقاد ما استعمله الأعشى ولم يستعمله شاعر قبله[3].

 

وهذان المثالان المذكوران يدلان على أن النقد جاء في استعمال اللغة في كلمة غير ما وضعت له، وأن العربي كان ينقد بفطرته اللغوية السليمة والأصلية وبخاصة الشعراء.

 

نقد المعنى والأسلوب:

لاحظ النقاد في العصر الجاهلي أن اللغة التي وضعت للتعبير عن أحاسيسه وأفكاره وذاته ومشاعره، وتسجيل قِيمه ومُثله، وتصوير البيئة والطبيعة من حوله، فإذا وافقت لغة الشاعر أو الأديب موافقة سليمة، رضِي عن ذلك، وحسن بما يقوله الأديب أو الشاعر، وإذا لم توافق لغة الأديب أو الشاعر المعنى الذي يعبر عنه موافقة سليمة، استهجنوا عليه وأظهروا سخطهم عليها، وتتمثل هذه الملاحظات في النقاط الآتية:

1- النظر في المبالغة ومطابقتها بفطرتهم السليمة.

2- المطابقة بين اللفظ والمعنى، والربط بينها وبين ما تدل عليه.

3- وضوح المعنى أو الفكرة.

4- المقارنة بين شعر وشعر آخر، ومحاولة الحكم لأحدهما على الآخر.

 

النظر في المبالغة ومطابقتها بفطرتهم السليمة:

وجه النقاد انتقاداتهم في العصر الجاهلي إلى المبالغات الغريبة التي لا تلائم الطبع العربي السليم، ولا تستريح النفس العربي إليها، وقبلوا المبالغة في ميدان المدح والجود والكرم الذي تسكن به نفوسهم؛ كما جاء في بيت عنترة بن شداد وذلك عندما كان يتغزل بعبلة:


وإذا سكرت فإنني مستهلك 


مالي وعرضي وافر لم يكلم 


وإذا صحوت فما أقصر عن ندى 


وكما علمت شمائلي وتكرمي[4] 


 

ومن نموذج المبالغة المقبولة بيت أوس بن حجر في وصف السحاب الكثيف:

دان مسف فويق الأرض هيدبه *** يكاد يدفعه من قام بالراح

 

فلم يخرج هذا البيت المذكور من دائرة المبالغة المقبولة الذي سوغ لهم قبولها هنا، وهي كلمة كاد التي جعلت المبالغة المحبوبة إلى النفس العربي[5].

 

وعندما وقع الأديب أو الشاعر في المبالغة الشديدة في تصوير العواطف، ووصف المشاعر والأحاسيس، لم يقبلوها ولم يصدقوا هذه المبالغة غير المألوفة؛ نحو قول ابن ربيعة وهو يصف حدة سيفه وقوة تأثيره على دروع الأعداء:

فلولا الريح أسمع من بحجر *** صليل البيض تقرع بالذكر

فقالوا عنه أكذب بيت قالته العرب


الملاءمة بين الألفاظ والمعاني:

ويظهر ذلك فيما روي عن النابغة في نقده لشعر حسان بن ثابت، وذلك عندما أنشده:


لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى 


وأسيافنا يقطرن من نجدة دمَا


ولدنا بني العنقاء وابني محرق 


فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما 


 

فقال له النابغة: أنت شاعر، ولكنك قللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، فهذا النقد للمبالغة يأتي تحت نقد المعنى؛ لأن المقام كان مقام فخر، وكانت المبالغة مطلوبة، ولكنه فخر بأولاده ولم يفخر بأجداده.

 

ثم جاء الشعراء الآخرون بعده، وأنشدوا ثم جاءت الخنساء، فأنشدته القصيدة في رثاء أخيها صخر:

قذى بعينك أم بالعين عوار *** أم أقفرت مذ خلت من أهلها الدار

 

فقال لها النابغة: لولا أن أبا بصير أنشدني آنفًا، لقلت: إنك أشعر من بالسوق، فغضب حسان وقال له: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك، فقبض النابغة على يده، ثم قال له: يابن أخي، إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي:

فإنك كالليل الذي هو مدركي *** وإن خلت أن المنتأى منك واسع[7]

 

الموازنة بين الشعراء:

ويتمثل ذلك فيما رُوي عن قصة امرئ القيس وعلقمة الفحل واحتكامها إلى "أم جندب"، وما كان منها عندما ذهبت توازن بين ما قرضاه من شعر، ثم حكمت بينهما، وفضلت علقمة على امرئ القيس، كما أنهم اهتموا بالمعلقات، وفضَّلوها على غيرها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق