يُعَدّ الشعر الجاهليّ هو النموذج الأعلى في الشعر العربيّ، وقد كان في قصائده الطوِّال يلتزم سنّة واحدة في نهج القصيدة من التزام المُقَدِّمَة الطللية مرورًا بالحديث عن الرحلة والناقة ثمّ التخلّص إلى موضوع أو موضوعات رئيسة. وكان بعضهم كزهير يعتنون بتنقيح أشعارهم وإعادة النظر فيها مرّة بعد مرّة.
وفي صدر الإسلام استفاد الشعر من حركة الفتوحات الإسلاميّة التي رفدته بمعاني جديدة تتعلّق بالتمسّك بالدين الجديد والجهاد في سبيله، وبقيت القصيدة على النهج الجاهليّ دون تطوّر في الشكل، مع سهولة في الألفاظ وانسياب في المعاني تحت تأثير القرآن الكريم والحديث الشريف.
وفي العصر الأمويّ أيضًا لم يكن هناك خروج على نهج القصيدة المتوارثة، وإنْ كان الشعر قد استفاد من حركة الأحزاب السياسية ومن ظاهرة النقائض وازدهار الغزل بأنواعه. وكذلك فإنّ شيوع المزدوجات كان من أبرز تطوّرات الشعر في هذا العصر إلى جانب أنواع أخرى من الرجز.
أما التطورات الكبرى فقد بدأت منذ العصر العباسي الذي تطورت فيه الحضارة تطورًّا كبيرًا متسارعًا، وتبعًا لذلك طرأت تطورات على الشكل والمضمون الشعريين، وكانت قولة أبي العتاهية الشهيرة: أنا أكبر من العَروض، واستبدل أبو نواس المُقَدِّمَة الخمرية بالطللية، بل حتى إنّ سَلْم الخاسر قد كتب شعرًا من تفعيلة واحدة.
ومن أبرز التطورات الفارقة في مسيرة الشعر العربي في الأندلس هو ظهور الموشحات التي ارتبط ظهورها بالغناء وجوّ اللهو، وكانت بألفاظها الرقيقة ومعانيها الطريفة وموسيقاها العذبة مناسبة لذلك، وبناء الموشح لا يتفق مع القصيدة العربيّة من حيث الشكل واللغة والقافية والوزن.
أما في العصور التالية فقد ركن الشعراء إلى التقليد، وأُولعوا بالبديع،، وقلّ الابتكار إلا عند ندرة من الشعراء من أمثال صفي الدين الحلي وابن نباتة وغيرهما. إلى أن بدأ العصر الحديث فعاد الشعر إلى احتذاء النماذج القديمة القوية، وبرزت اتجاهات عدة من إحيائية ورومانسية وواقعية وغيرها، وتطوّر الشكل من التزام بالقديم إلى الشعر الحرّ (التفعيلة) وقصيدة النثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق