الوحدة الأولى موضوع الوحدة : الأدب الاجتماعي : - أدرك الأديب العربي الصلة الوثيقة بين الأدب والمجتمع،فكلٌّ منهما يتأثّر بالآخر،لانّ الأدب يعتبرُ جزءاً لا يتجزّأ من الممارسات الاجتماعيّة التي تتخذ من اللغة أداةً لها،و الأديب فردٌ فاعلٌ من أفراد المجتمع له وظيفةٌ اجتماعيّة تختلف عن غيره من أبناء المجتمع تتمثّل بتسليط الأضواء على آفات ومشكلات المجتمع والنهوض به اجتماعيّاً واقتصاديّاً ومعرفيّاًوسياسيّاً وخلقيّاً........................................ – فإذا تتبعنا مراحل تطوّر الأدب الاجتماعي عبر العصور الأدبية نلحظ أنّ الأدباء في العصر الجاهلي قد أبدوا اهتماماً بموضوعاتٍ لها صلة بالحياة الاجتماعيّة كظاهرة الفقر والصعلكة ولكنّ أشعارهم كانت على شكل مقطّعات او أبيات متفرّقة كأشعار عروة بن الورد وهو يخاطب زوجته مبيناً مكانة الفقير في المجتمع: ذريني للغنى أسعى، فإنّي رأيتُ الناس شرّهمُ الفقيرُ ................................... -وإذا انتقلنا بالزمن إلى العصرين الأمويّ والعبّاسي حيثُ خرج العربُ من شبه جزيرتهم وبدأت الفتوحات الإسلاميّة بالتوسّع واختلط العرب بأممٍ وشعوبٍ أخرى نجد أنّ المجتمع أصبح أكثر تعقيداً فظهرتْ مواقف إنسانية تعبّر عن الشقاء الإنسانيّ كالشاعر النميريّ الذي رفع إلى الخليفة عبد الملك لاميّته المشهورة في الشكوى من ظلم عمّال الصدقات وعنفهم بقوله : ....................................... إنّ السعاةَ عصوك حين بعثتهم وأتوا دواهي، لو علمت، وغولا ....................... إنّ الذين أمرتهم أنْ يعدلوا لم يفعلوا ممّا أمرتَ فتيلا ................................................... ولكنّ الشعرالاجتماعي في هاتين المرحلتين لم يخرج في أغلبه عن كونه مقطّعات ذاتيّة تفتقر إلى العمق والتحليل،وقد شكّلتْ في بعض الأحيان باباً من الفكاهة والطرافة كالشاعر أبي فرعون الساسي الذي صوّر فقره بروحٍ ساخرة بقوله:............................. ليس إغلاقي لبابي أنّ لي فيه ما أخشى عليه السرقا............ إنّما أغلقه كيلا يرى سوء حالي من يجوب الطُّرُقا ............ منزلٌ أوطنه الفقر فـلو دخـل السـارقُ فيه سُـرقا ....................................... - وبعد هذين العصرين تزداد الأوضاع السياسية سوءاً في عصور الدول المتتابعة وتسوء معها الحياة الاجتماعيّة وتكثر مشاهد الفقر والجوع والفساد والرشوة التي أثارت الأدباء فصوّروها بأسلوبٍ واقعيّ ساخر حيناً ومبالغ فيه أحياناً أخرى كالشاعر الجزّار أو الشاعر أبي الحسين أحمد بن فارس الذي فضح الفساد والرشوة بقوله: .......... إذا كنتَ في حاجةٍ مرسلاً وأنتَ بها كلفٌ مغرمُ ............... فأرسل حكيماً ولا توصه وذاك الحكيمُ هو الدرهمُ ................................... -و أمّا في العهد العثمانيّ الذي انقسم فيه المجتمع إلى ثلاث طبقات حكّام وتجّار وطبقة عامّة الشعب التي عانت مزيداً من الفقر والجهل والمرض لم يتجاوز الشعر حدّ المقطّعات التي لم تكن أكثر من حالاتٍ فرديّة ذاتيّة. ............... – ومع بداية القرن العشرين تفتّحتْ مسالك الثقافة بين أوربا والوطن العربي واستيقظ الشعور بالحقوق الاجتماعيّة والسياسية في الأقطار العربيّة،ولا سيّما في قلوب الأدباء الذين عاشوا لمجتمعهم لا لأنفسهم،فظهرت دعواتٌ للتجديد والتغيير،وبدءاًمن هذا العصر استقلّ الشعر الاجتماعيّ في قصائد خاصّة تدعو إلى التحرّر الاجتماعي والسياسي،حيث اهتمّ الأدباء بقضايا الفلّاح والعامل والمرأة والطفولة وغيرها من مشكلات المدينة كالشاعر محمّد الفراتي الذي سلّط الضوء على ظاهرة الفساد الإداري في دوائر الدولة بقوله: سبحان ربّك كم في الدهر من عبرٍ وكم به من غـريبٍ غـير مألوفِ ................... تمشي المصالحُ في أقلام دولـتنا مشيَ الخنافس في جزٍّ من الصوف .................................................. - وبعد النصف الثاني من القرن العشرين تتابعت حركات التحرّر من المستعمر الغربي الذي ترك وراءه كياناً سرطانياً في فلسطين يحمي له مصالحه في المنطقة، وزادتْ وطأة الحكّام الجائرين المستغلّين للشعب،ممأ أدّى لظهور أدب الالتزام الذي رفع أدباؤه لواء النضال التحرّري الاجتماعي والقومي،متسلّحين برؤيةٍ ثوريّة تعايش الواقع البائس وترسم أمام الجماهيرمستقبلاً مشرقاً يقوم على الحرّية والعدالة الاجتماعيّة،مثلما نرى عند الشاعر وصفي القرنفلي الذي آمن بقدرة الجماهيرالكادحة على تلمّس درب خلاصها من المستغلّين بقوله: ..................................... قل للرفاق التائهين ........ في الشرق تمضغه السنون .......... فقراؤنا قد حطّموا حكم القناعة واستفاقوا ........... الجوع ليس من السماء فمنْ إذاً؟...وهنا أفاقوا ........... ومضوا فمن متسوّلين .......................... على الرصيف لثائرين ............... - وفي الختام يمكننا القول : إنّ الأدب الاجتماعي مرّ بأشكالٍ مختلفة ومتطوّرة عبر العصور حتّى اكتمل نضجه في العصر الحديث الذي أفرد له نصوصاً أدبيّة مستقلّة تعالج قضايا اجتماعية هامّة شعراً ونثراً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق